خواطر ثقافية


دعنا نسأل أنفسنا لماذا نسعى الى إعاده هيكلة وزارة الثقافة أو المجلس الأعلى للثقافة أو فصلهم عن بعض أو حتى إلغاء الوزارة نفسها؟ لأن المثقفين وجدوا، بعدالثورة، أنهم أمام حقيقة بسيطة جدا: لن تشعر بشيء لو استيقظت ذات صباح ولم تجد شيئا اسمه وزارة الثقافة.
هنا تكمن المعضلة الحقيقية، إن الغالبية العظمى أنست وزارة الثقافة كحظيرة ولأنها وجدت نفسها تورطت فى الثورة ولزاما عليها أن تستلهم روح الثورة والتمرد، قررت أن تسعى الى هدم الحظيرة. بالأضافة، طبعا، إن الوزارة لم تفعل أى شئ للمثقف غير منح التفرغ وبعض سلاسل النشر المدعومة. آكون قاسى بعض الشئ!.. لا يهم. هل هذا معناه أن الدعاوى بإعادة الهيكلة أو الفصل أو الالغاء غير مشروعة أو غير مجدية؟ قد يكون ولكننا هل نحتاج ثورة ثقافية.. هل قلت ثورة ثقافية ومازالنا نردد ونسرد أوهام المناخ الثقافى المنحدر والمنعدم و.. وهل إذا كانت أوهام حقا، هل نحتاج الى إيمان من نوع ما؟ إيمان بماذا..  بالثقافة أم بالمثقف أم بالقارئ؟ أننا نحتاج الى أكثر من ثورة ثقافية أو فكرية لأن ببساطة، تشعرنا بالخجل من أنفسنا، المثقف المصرى تخلى عن أهم ما يميز المثقف عبر العصور وهو دوره ومسؤليتة.
ارتبطت السياسات الثقافية والمؤسَّسات الثقافية بمصر ارتباطًا وثيقًا بنظام الحكم، وبالادق بنظام الحكم العسكري بعد ثورة يوليو 1952. أما قبل، ففي العصر الملكي ولم تكن هناك، وقتها، وزارة للثقافة بل كانت للمعارف تهتم أكثر بالتعليم بكافة مراحلة بينما اهتمت هيئة الثقافة الجماهيرية (كانت تُسَمَّى الجامعة الشعبية) بجمع وتهذيب التراث الشعبي، وتنمية الفنون الشعبية وتُرك المثقف المصرى كان يمسك بزمام باقى الشؤون الثقافية. وجاء الأنقلاب العسكرى ليسقط الملكية ودور المثقف. تلونت السياسة الثقافية فى مصر منذ ذلك الحين بأهواء حكامها ومصالحهم بدون إهتمام ولو ضعيف بالثقافة، كمفهوم ومعنى، فى ذاتها.
أخذ النظام الناصرى على عاتقه خلق حاله دعائية باستخدام الفن والثقافة تقوم علي الترويج لمنجزات يوليو عن طريق الإرشاد القومي، فأول وزارة للثقافة أنشئت عام 1958 باسم وزارة الثقافة والإرشاد القومي، وتلاها نشط النظام الجديد في إنشاء قصور وبيوت للثقافة في المحافظات. وانطلاقًا من مبدأ أن الثقافة للجميع، توجهت آلات الوزارة إلى جماهير الشعب في الريف والمدن. والحقيقة لم يكن هذا هو السبب فى وصف تلك الفترة بالذهبية في تاريخ الثقافة الجماهيرية، بل لأن من هناك ظهر تدشين لمفهوم رسم سياسة ثقافية للبلاد، ورغم خطورته، كما سأبين بعد ذلك، فقد سرع من تطور الثقافة فى مصر.
الأشتركية هى السمة الواضحة لتلك الحقبة أما أنفتاح السادات فقد أدى لإرتباك ثقافى معقد خصوصا مع زمن اللا سلم ولا حرب ومعاهدة كامب ديفيد والتطبيع (القسرى بعد النصر)، وتشجيع التيار الإسلامي كوسيلة للقضاء على الأفكار اليسارية وتنامى التيارات الأسلامية الجهادية المسلحة، مما أدى الى تدهور واضح لأوضاع قصور الثقافة، والمتاحف، والمسارح. أما فى العصر المباركى فحدث ولا حرج فبداية من الخصخصة والليبرالية الجديدة، الذي حوَّلت الثقافة والتعليم وجميع الخدمات الأساسية إلى سلع مسعَّرة الى ازدواجية الرؤى، التي تتأرجح بين التزمت والتخلف من جهة، والتحرر السطحي المتخلف من جهة أخرى.
تتكون وزارة الثقافة فى شكلها الحالى من ثلاثة عشر هيئة، المجلس الأعلى للثقافه[i] إحداهم، المجلس القومى للترجمة وجهاز التنسيق الحضارى تم إنشاؤهم خصيصًا لأفراد بأعينهم. الأدهى أن المجلس الأعلى للأثار وهى واحدة من هيئات وزارة الثقافة تكاد تحصل وحدها على أكثر من نصف كل مخصصات أجهزة الثقافة في مصر، سواء في صورة أجور ومرتبات للعاملين فيها، أو كنفقات جارية أو استخدامات استثمارية: (إقامة متاحف - عمليات صيانة وترميم وغيرها). وهو ما جعل الوزير الجديد بعد الثورة يصرخ لأن الغطاء المالى أنكشف بفصل المجلس الأعلى للأثار الى وزارة للأثار وظهر تدهور الحال خصوصا فى المركز القومى للترجمة.
لو جنبنا المركزية الشديدة والواضحة (الموروثه من الحقبة الناصرية) في اتخاذ القرارات وتنفيذها فى مختلف هيئات الوزارة، فالأكثر مدعاه للنظر هو ترهل الهياكل الادارية والمالية للوزارة فتعيين القيادات على أساس أهل الثقة وليس أهل العلم. وعلى ما سبق فإن الأستراتيجية الثقافية المطروحة فى هيكلة الوزارة وفصل المجلس الأعلى للثقافة عن الوزارة، بل وحتى إلغاء مكتب الوزير وديوان عام الوزارة وهى الأليات الممهدة لطرح سياسة ثقافية بديلة تقوم بها الجماعة الثقافية المصرية ومنظمات المجتمع المدنى العاملة فى مجال الثقافة، تصبح غير ذا معنى إلا بأشراك المثقف المصرى فى رسم السياسة الثقافية لبلدة.
لسببان، فى رأيى الشخصى، الأول:
ليس فقط قضاء على المركزية، وهى الشكوى الدائمة لمثقفى الأقاليم، ولكن للأهم تمكين المثقف من الشعور بمسئوليتة الثقافية والوطنية والتى ستؤدى بطبيعة الحال الى إشراكة الحقيقى والفعال فى المجتمع.
السبب الثانى : بإشراك المثقف سيكون ضمانة لعدم تلون السياسة الثقافية بتغير الحكام والأهواء والمصالح، وتمتين يها.
كيف يتم إشراك المثقف فى رسم السياسة الثقافية لبلدة، عمليا كيف؟
 الحقيقة أن لهذا سبيل عملى وحيد لهذة الفترة الثورية وهى إستقلالية المجلس الأعلى للثقافة وفصلة عن الوزارة بحيث يتبع مجلس الوزراء مباشرة ويصبح المجلس بيت المثقفين ومكانهم المفضل والدائم الذين يشعرون فيه أن هذا المكان ملكهم الخاص وليس ملك الدولة. هل رجعت الى نقطة البداية .. لا، لأننا نجرى وراح هذا الحلم الثورى بدون أن نعرف السبب الحقيقى الذى يجب أن يدفعنا لذلك. فإذا كانت الدولة بأنظمتها المختلفة سلبت المثقف دورة ودجنتة، فهى لا تستطيع سلب مسؤليتة تجاة نفسة وثقافتة التى يعتقد بها ومجتمعة الذى يعيش فيه. وحتى وإن انقسمت الآراء حول الدور المخول لوزارة الثقافة فى المرحلة الحالية وهل حقا فى يدها صناعة القرار، أم أنه يراد لها الانتظار حتى إشعار آخر فى حكومة هى نفسها حكومة تسيير أعمال. فمنطقيا لا  يجب أن يبدأ كل أمين للمجلس من نقطه الصفر، فالمشوار الذى قطعه الدكتور عز الدين شكرى،على قصرة، يجب أن لا يتجاهلة الأمين الجديد الدكتور شاكر عبد الحميد خصوصا أن المثقفين والجماعة الثقافية لن يتوانوا عن تقديم المقترحات والحلول المتاحة فى هذا الصدد . ويجب أن يعى المثقف أن جهوده فى فصل المجلس الأعلى أو رسم سياسة ثقافية بديلة وثورية تقوم على مسؤليتة الثقافية ولي مجرد رغبة للإنعتاق من طوق الحظيرة.
ملحوظة، قد تعنى شيئا:
والتى تعنى بالشكل الأدارى للمجلس أن السيد وزير الثقافة يرأس المجلس الأعلى للثقافة، بينما يشغل  شاكر عبد الحميد الأن، منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة. بالأضافة إن المادَّة الثانية من الفصل الأول من القرار الجمهوري رقم 150 لسنة 1980 حددت أهداف المجلس الأعلى للثقافة وهى، بالنظر الى هذه الأهداف، نرى أنها هى وزارة الثقافة أو عقلها المدبر وجوهرها. فأول أهدافها: تخطيط السياسة العامة للثقافة، في حدود السياسة العامة للدولة، والتنسيق بين الأجهزة الثقافية في أوجه أنشطتها المختلفة. لذا عندما نفصلها عن الوزارة، نحول الوزارة نفسها الى مكتب الوزير وديوان عام الوزارة المتحكم فى باقى هيئاتها ويصبح دورة فى الهياكل المالية والأدارية فقط



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق