الكتاب الأكثر مبيعًا ... ميريت VS الشروق



كل عمل ينُشر هو مجازفة من الناشر، ولكن المجازفة تقل عندما يعتمد الناشر على بعض الكتب الأكثر مبيعا، فالربح فيها مضمون، إذ يتوافر للكتاب الأكثر مبيعا مميزات داخل سوق النشر لا تتوافر للباقي، حديث متنامى شفاهى في الأوساط الأدبية، تقارير وحوارات وعروض في الصفحات الثقافية، تحويل العمل إلى وسيط آخر في الميديا، لقاءات تلفزيونية، شهرة الكاتب اعتمادا على أعماله السابقة ... إلخ. والملاحظ أنه ليس من بينها جودة الكتب الأدبية أو أنها في الأغلب في نهاية قائمة المميزات في مهنة النشر.  والأهم صنع نجومية للكاتب!
شئنا أم أبينا يساهم الناشر في صنع الكتاب الأكثر مبيعا بشكل كبير، فهو يعرفه منذ جاء إليه مخطوطا، ويضع رهاناته عليه وهو بالإضافة لمجازفته بالنشر لمؤلف ما بناء على رؤية محددة وواضحة لسوق النشر الذي يستهدفه- يمتلك حس وتوازن ما بين القيمة التجارية والمتمثلة في المبيعات والتوزيع وبين القيمة الإبداعية للمنتَج الثقافي وهو الكتاب.
ورغم ذلك تظهر كتب مثل "نسيان دوت كوم" للجزائرية أحلام مستغامي و "لا تحزن" لعائض القرني  تعمل على دغدغة مشاعر بعينها لدى القراء في مجتمع مقموع سياسيا وفكريا ومجتمعيا، هو في احتياج شديد لهذه الوصفات المريحة التي تفيده أكثر من رواية تحلق به في أجواء مختلفة نفسيا وفكريا، ولم يجد العاملون في مجال النشر تفسيرا لهذه الظاهرة سوى "احتياجات السوق" وهو ما يجيد بعض الناشرين اللعب به وتطويعه إذا لزم الأمر.
د. شرين أبو النجا ترصد مقارنة بين رأس المال الرمزي لدار ميريت ورأس المال الاقتصادي لدار الشروق في كتابها البديع "المثقف الانتقالي" وهذه المقارنة تنبهنا إلى كيفية صنع الكتاب الأكثر مبيعا في كلا الدارين.

القارئ المصرى .. يعانى من مراهقة ثقافية


فى سنه 1994 فاز المخرج  كوانتين ترانتينو بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عن فيلمه Pulp Fiction. أقرب ترجمة لعنوان الفيلم هى "سرد رخيص" وهو مصطلح يطلق على نوعية من الروايات الرائجة فى الغرب بها خلطة من المغامرات والأثارة وحكايات الأبطال العاديين فى أمريكا ومنتشرة جدا على رفوف المكتبات. فـ"Pulp" هو نوع من الورق المصنوع من لب خامة الورق ويمتاز برخص الثمن وتوافره فى المطابع ويستخدم فى طباعة هذا النوع من الروايات ومجلات الأثارة. الفيلم عبارة عن حكايات عدد من الأشخاص المختلفين تتقاطع مصائرهم بشكل ما، كل شخصية هى بطل قصتها لهذه النوعية من الروايات، جمع ترانتينو تلك الحكايات فى الفيلم وحكاهم بطريقة جديدة أظهرت أنهم ليسوا سطحيين كما كنا نظن
كوانتين ترانتينو حول بكل بساطة  السرد الرخيص الى ما نطلق عليه أدب رفيع بمجرد حكى مختلف وجديد. ليس الفارق - الذى يوضع فى الاعتبار- للرواج هو تلك الخلطة التى تشد القراء لروايات الـ Pulp Fiction فقط، بل الى الحكاية نفسها وكيفية حكيها. الفيلم أكتسب شعبية كبيرة، على المستوى الجماهيرى والنقدى حتى الأن، صحيح أن روعة الفيلم لا تكمن فى هذا فقط، ولكن سنكتفى به حتى ندخل فى موضوعنا عن السمات الأسلوبية لروايات الـ Best Seller. نحن عندما نتكلم عن الروايات الأكثر مبيعا فى مصر لن نستطيع تحديد وصف خلطه أو أسلوب يدخل به الكاتب مطبخه ليقدم لنا عمل أدبى طازج يتخاطفه القراء كالفطائر المحلاة، بغض النظر أن هذا غير منطقى أصلا، فنحن لن نرصد بأى حال من الأحوال فى مصر سرد فى حجم أجاثا كرستى ، ستفين كينج، بابلو كويلهو، أو دان براون للامساك بملامح خاصة.
فلو تكلمت عن الجنس كأحد مكونات تلك الخلطة، فمئات الروايات لا تحظى بالرواج والانتشار لهذا السبب. التلسين والفضائح السياسية والكباريه السياسى لن تكفى للاعتماد عليها فى ظل الدوشة السياسية التى نعيشها. التنقيب فى الدين أو الألحاد ليس خيار جيد للكاتب ليجذب به القراء فى ظل مجتمع محافظ أو يتظاهر بالمحافظة ومحاكم التفتيش التى تلاحق الكتاب. هل هى خلطه متوازنة بين التابوهات الثلاثة مع قليل من الأثارة والبوليسية ؟ أظن أن كاتب لو نجح فى هذه الخلطة يستحق قراء من نوعيه أفضل، ويصل الى مستويات من الوعى بالكتابة والكتاب تضع العمل فى مصاف الأدب الرفيع.
لن أبدأ فى الاستشهاد بروايات خليل حنا تاضرس فى مقابل بروايات نجيب محفوظ، فهى مقارنة، حتى من ناحية رواج الكتب، غير صحيحة، فخليل اعتمد على الجنس تقريبا فى كل أعماله وشكل وخط واحد، بالإضافة أنها لم تكن معظمها تأليف بل مجرد ترجمة وتمصير.