طه عبد المنعم‮ ‬:‬شرابي وكيل الفنانين‮ ‬


أخبار الادب

رحبة

ا

الأحد 19 من أبريل سنة 2009م - 23 من ربيع الثاني سنة 1430هـ - العدد 823

أحمد الفخراني

أخذنا وقتا طويلا لندرك أن طه مثلنا ولد لا يفتقر إلي الأحلام ، نحن مغرورن بما يكفي لكي لا نري ولدا صبورا يعمل بصمت وتحمل لسذاجة من ظنوا أنفسهم مهمين بما يكفي كي لاحترموا اصرار شخص علي الافلات من "ثقب ابرة ليبحث عن مكان ".سامحنا يا طه المقاهي تأكل الأعين ودخان الشيشة يعمي البصيرة.
طه عبد المنعم ..أو كما كنا نسميه شرابي وكيل الفنانين ..فهو يبدو للوهلة الأولي كوحيد سيف في فيلم خلي بالك من زوزو فأغلبنا لم يعرفه في الوسط الثقافي الا كمتعهد حفلات توقيع لأصدقائنا في الوسط الأدبي ولم نعرفه أديبا أو كاتبا رغم أن له محاولات كتابة معقولة نوعا .
" رصيدي في الحياة أصدقائي ..من قبل كنت أملك مزرعة دواجن قضت عليها أنفلونزا الطيور لانتقل في القاهرة من عمل إلي آخر "
الولد الذي لم تفزعه خسارة ماله ويؤرقه فقدان صديق ، داخله صورة أخري تناقض الصورة التي رسمها المتسرعين أمثالنا _وأنا أولهم _ في الحكم علي طه .
بدأت اللعبة مع طه "كعربون محبة " يقدمه لأصدقاء بتسويق كتبهم عن طريق المدونات في البداية ثم تطورت إلي الاتفاق لهم علي حفلات توقيع ومناقشات في قصور الثقافة داخل القاهرة وخارجها ، استمر في اللعبة دون تخطيط مسبق ، ليكتشف أنه يبني شهرته الخاصة ، حدث ذلك عندما فوجيء طه بخمسة شباب قادمين من المنصورة يقولون له " جئنا إلي القاهرة ونريدك أن ترشح لنا الكتب التي نشتريها .
هنا انتبه طه إلي أهمية أو "خطورة " ما يفعل علي حد قوله.
طه يعرف " دبة النملة " في الوسط الأدبي _والتعبير للروائي طارق إمام _ يحضر كل الندوات ويتابع كل جديد في مكتبات القاهرة
"دور النشر الجديدة تحولت إلي مطابع وتفتقر إلي أبسط آليات نجاح الكتاب " تنقل طه بين عدد من دور النشر جعلته يحمل خبرة لا بأس بها في مساويء دور النشر وافتقادها _لالخبرة التسويق _ بل لنية التسويق .
السخرية التي واجهها طه في البداية جعلته أكثر صلابة ، لم يواجهها بشر بل بصبر ، لم يتوقف عن الحب بل والابتكار أيضا ، طه هو أول من اكتشف قدرة الفيس بوك الهائلة علي الدعاية وهو أول من انشأ جروب لكتاب علي الفيس بوك _لصديقه الشاعر سالم الشهباني _لتتحول الحكاية إلي عرف سائد مع كل اصدار جديد.
" الذي ظنوه ساذجا هم من اتبعوه الآن " لم يتوقف طه عند انشاء جروب لكل كتاب - فهو مثلنا قادر علي الأحلام- لينشيء جروب البوابة الثقافية الذي يتابع الأحداث الثقافية والاصدارات الجديدة لتتحول بوابة طه إلي واحدة من أهم الجروبات الثقافية علي الفيس بوك ، وصل عدد أعضائها إلي 2000عضو في وقت قياسي .وهو عدد لا يرضي طه وللمرة الثانية يتبعه الآخرون لتتعدد الجروبات الأدبية.
دور آخر يحلم طه أن يلعبه " الوكيل الأدبي " وهو أمر لا تعرفه دور النشر المصرية كما أن الكتاب المصريين أكثر غرورا من أن يستسلموا للدور المنوط بالوكيل الأدبي أن يلعبه وهو مراجعة المخطوطات وتوجيه الكتاب في بعض الأحيان _كمستشار يقدم النصيحة دون تدخل في العمل الأدبي _بالاضافة إلي الاشراف علي تسويق الكاتب والكتاب معا .
"إنهم يروجون لأنفسهم بشكل زائف " يري طه أن دعاية بعض الكتاب الجدد تتضمن الكثير من المبالغة بمنطق " الزن علي الأذن أمر من السحر " يفرق طه بين الدعاية والالحاح ، بين تقديم مناقشات وقراءات فاعلة للكتاب وبين أن يقدم الكاتب خبرا من نوعية " شاهدوني غدا علي أون تي في "
دافع طه عن حقوق أصدقائه عندما لمحت إحدي المكتبات التي تقيم حفلات توقيع إلي اقامتها مقابل مبالغ مالية من الكتاب ، انتصر طه دون ضجيج ودون الدخول في معارك ، فقط انسحب قليلا ودون أن يثير جلبة لتكتشف المكتبة أنها هي من تحتاج إلي حفلات التوقيع لا الكتاب .
حلم طه القادم أن تتحول بوابته الثقافية إلي جريدة توزع مجانا وتعتمد في تمويلها علي اعلانات دور النشر .
يقول عنه الشاعر شعبان يوسف ,إنه ظاهرة فريدة لأنه نادرا ما يعمل أحد علي خدمة ابناء جيله دون أن ينظر إلي مصلحة ذاتية, بينما أشار القاص محمد عبد النبي إلي سفر طه عبد المنعم كإعلامي إلي مؤتمر السرد الجديد رغم عدم عمله بالصحافة نتيجة اهتمامه بالدعاية متطوعا للمشاركين في المؤتمر حتى أن الروائي الشاب طارق إمام طالب بتكريمه .
ملحوظة أخيرة تجعلني أخشي علي طه الذي عاني كثيرا من معاملة الآخرين له كشرابي وكيل الفنانين فقد أرسل لي "تدوينة " صغيرة عقب انتهاء حواري معه بساعات كان قد كتبها ردا علي سخرية الآخرين ، يتحدث فيها عن أهميته واقتراب البعض منه طمعا في تسويق كتبهم لمحت فيه شيئا من الإصابة بعشي دخان المقاهي _وهو ما لمح إليه أثناء حديثي معه _ فلا أنت ولا نحن يا طه فعلنا شيئا يستحق حتي نتحدث عن أهمية ما نفعله ، لازلنا نلهو ولم نقدم سوي وجبات خفيفة _تيك آوي _ لم يقدم أحدنا وليمة بعد ..لا أحد فينا مهم يا طه ، فلتكن كما أنت خفيف الظل والدم كشرابي وكيل الفنانين واحذر من دخان المقاهي فإنه يأكل العيون والبصيرة, ويضخم أفعالنا الأدبية إلي أكبر من حجمها ..لازلنا نخطو يا طه فلا تصدق ما يقال عن الأهمية ولا تردده عن نفسك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق